القرآن و المجتمع المؤمن

وصف مصحف ابن مسعود

 

كان تأليف مصحف عبد الله بن مسعود وفق الترتيب التالي(1):

 

1- السبع الطوال: البقرة، النساء، آل عمران، الأعراف، الأنعام، المائدة، يونس.

 

2- المئين: براءة، النحل، هود، يوسف، الكهف، الإسراء، الأنبياء، طه، المؤمنون، الشعراء، الصافّات.

 

3- المثاني: الأحزاب، الحجّ، القصص، النمل، النور، الأنفال، مريم، العنكبوت، الروم، يس، الفرقان، الحجر، الرعد، سبأ، فاطر، إبراهيم، ص، محمد (صلى الله عليه وآله)، لقمان، الزمر.

 

4- الحواميم: المؤمن، الزخرف، فصّلت، الشورى، الأحقاف، الجاثية، الدخان.

 

5- الممتحنات: الفتح، الحديد (ن)، الحشر، السجدة، ق (ن)، الطلاق، القلم، الحجرات، الملك، التغابن، المنافقون، الجمعة، الصفّ، الجنّ، نوح، المجادلة، الممتحنة، التحريم.

 

6- المفصّلات: الرحمن، النجم، الطور، الذاريات، القمر، الحاقّة (ن)، الواقعة، النازعات، المعارج، المدّثر، المزًّمل، المطففين، عبس، الإنسان، المرسلات، القيامة، النبأ، التكوير، الانفطار، الغاشية، الأعلى، الليل، الفجر، البروج، الانشقاق، العلق، البلد، الضحى، الطارق، العاديات، الماعون، القارعة، البيّنة، الشمس، التين، الهمزة، الفيل، قريش، التكاثر، القدر، الزلزال، العصر، النصر، الكوثر، الكافرون، المسد، التوحيد، الانشراح.

 

تلك مائة وإحدى عشرة سورة. بإسقاط سورة الفاتحة وسورتي المعوذتين على ما سنذكر.

 

جهة اُخرى- اختصّ بها مصحف ابن مسعود-: إسقاطه سورة الفاتحة، لا اعتقادًا أنّها ليست من القرآن، بل لأنّ الثبت في المصحف كان قيدًا للسور دون الضياع، وهذه السورة (الفاتحة) مأمونة عن الضياع بذاتها، لا يزال المسلمون يقرأونها كلّ يوم عشر مرات أو أكثر. ذكره ابن قتيبة فيما يأتي.

 

أو لعلّه رآها عدلا للقرآن في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾(2). والسبع المثاني هي سورة الفاتحة.

 

وعلى أي تقدير فقد اتفق أئمّة الفن على خلوّ مصحفه من سورة الحمد، نقل ذلك ابن النديم عن الفضل بن شاذان، وقال: إنّه أحد الأئّمة في القرآن والروايات. ومن ثم يرجح ما ذكره الفضل على ما شهده بنفسه(3).

 

وقال جلال الدين السيوطي: وأمّا إسقاطه الفاتحة فقد أخرجه أبو عبيد بسند صحيح(4) وكان قد ذكر الرواية قبل ذلك(5).

 

وقال ابن قتيبة: وأمّا إسقاطه الفاتحة من مصحفه فليس لجهله بأنّها من القرآن، كيف وهو أشدّ الصحابة عناية بالقرآن. ولم يزل يسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤمّ بها، ويقول: لا صلاة إلاّ بسورة الحمد، وهي السبع المثاني وأم الكتاب. لكنّه ذهب فيما يظنّ أهل النظر (المحقّقون) إلى أنّ القرآن إنّما كتب وجمع بين اللوحين (الدفّتين) مخافة الشكّ والنسيان والزيادة والنقصان، ورأى أنّ ذلك مأمون على سورة الحمد، فلمّا أمن عليها العلّة التي من أجلها كتب المصحف، ترك كتابتها، وهو يعلم أنّها من القرآن(6).

 

جهة ثالثة: إسقاطه سورتي المعوذتين (الفلق والناس)، اعتقادًا منه أنّهما عوذة يتعوّذ بها لدفع العين أو السحر، كما ورد أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) تعوّذ بهما من سحر اليهود، وقال: ما تعوذّ متعوّذ بأفضل من ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ… ﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ… ﴾(7).

 

وقد صحّ الإسناد إلى ابن مسعود: أنّه كان يحكّ المعوذتين من المصاحف، ويقول: لا تخلطوا بالقرآن ما ليس منه، إنّهما ليستا من كتاب الله، إنّما أمر النبيّ ويقول: لا تخلطوا بالقرآن ما ليس منه، إنّهما ليستا من كتاب الله، إنما أمر النبيّ (صلى الله لعيه وآله) أن يتعوّذ بهما.. وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما في صلاته. (8)

 

هذا.. وقد أنكر بعضهم صحّة هذه النسبة إلى ابن مسعود، كالرازي وابن حزم- فيما نقل عنهما ابن حجر- وردّ عليهما بصحّة إسناد الرواية قال: والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل. بل الرواية صحيحة والتأويل محتمل(9).

 

وأخذ الباقلاني في بيان هذا التأويل، قال: لم ينكر ابن مسعود كونهما من القرآن، وإنّما أنكر إثباتهما في المصحف، فإنّه كان يرى أن لا يكتب في المصحف شيئًا إلاّ أن كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أذن في كتابته فيه. وكأنّه لم يبلغه الإذن في ذلك، فهذا تأويل منه جحدًا لكونهما قرآنًا…

 

قال ابن حجر: وهذا تأويل حسن، إلاّ أن الرواية الصحيحة الصريحة التي ذكرتها تدفع ذلك، حيث جاء فيها: ويقول إنّهما ليستا من كتاب الله. نعم يمكن حمل لفظ كتاب الله على المصحف، فيتمشّى التأويل المذكور(10).

 

قلت هذا التأويل الأخير أيضًا لا يلتئم مع قوله: (لا تخلطوا بالقرآن ما ليس منه)(11).

 

(ملحوظة): قد يزعم البعض أنّ ما نسب إلى ابن مسعود يناقض القول بتواتر النصّ القرآني!

 

لكن غير خفيّ: أنّ ابن مسعود لم ينكر كونهما وحيًا -بالمعنى العامّ- وإنّما أنكر كونهما وحيًا قرآنيًا -بسمة كونهما من كتاب الله? فالاتفاق على أنّ المعوذتين وحي من الله حاصل من الجميع، وإنّما الاختلاف جاء في توصيفهما الخاصّ: هل هما من كتاب الله (القرآن) أم لا؟. وهذا لا يضرّ بعد الاتفاق المذكور.

 

جهة رابعة: قال صاحب الإقناع: كانت البسملة ثابتة لبراءة في مصحف ابن مسعود. قال: ولا يؤخذ بهذا(12).

 

ويعني بكلامه الأخير: أنّ ابن مسعود كانت له مخالفات شاذّة، نبذها الصحابة والتابعون. ولعلّها كانت اجتهادات شخصيّة خطّأه الآخرون عليهم. كمذهبه في التطبيق(13).

 

قال ابن حزم: والتطبيق في الصلاة لا يجوز، لأّنه منسوخ. وكان ابن مسعود يفعله، وكان يضرب الأيدي على تركه. وكذلك كان أصحابه يفعلونه. وفي ذلك قال ابن مسعود – فيما روينا عنه-: علّمنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) الصلاة فكبّر. فلمّا أراد أن يركع طبق يديه بين ركبتيه وركع. فبلغ ذلك سعد بن أبي وقاص، فقال: صدَق أخي، قد كنّا نفعل هذا، ثمّ أمرنا بهذا، أي الإمساك بالركب(14).

 

قال الإمام الرازي – بشأن مخالفات ابن مسعود-: يجب علينا إحسان الظنّ به، وأن تقول: إنّه رجع عن هذه المذاهب(15).

 

جهة خامسة: اختلاف قراءته مع النّص المشهور في كثير من الآي. وهذا الاختلاف كان يرجع إلى تبديل كلمة مرادفها في النّص وكان ذلك غالبيًا لغرض الإيضاح والإفهام.

 

والمعروف من مذهب أبن مسعود: توسيعه في قرآمة أفاظ القرآن، فكان يجوّز أن تبدّل كلمة إلى أخرى مرادفتها، إذا كانت الثانية أوضح ولا تتغيّر شيئًا من المعنى الأصلي.

 

قال: لقد سمعت القرّاء ووجدت أنّهم متقاربون، فاقرأوا كما علّمتم – أي كيفما علّمكم القارئ الأُستاذ – فهو كقولكم: هل وتعال(16).

 

وكان يعلّم رجلا أعجميًّا القرآن، فقال: ﴿إنّ شجرة الزقّوم طعام الأثيم﴾.

 

فكان يقول الرجل: طعام اليتيم، ولم يستطع أن يقول: الأثيم. فقال له ابن مسعود: قل: طعام الفاجر. ثم قال ابن مسعود: إنّه ليس من الخطأ في القرآن أن يقرأ مكان (العليم) (الحكيم). بل أن يضع آية الرحمة مكان آية العذاب(17).

 

ومن هذا القبيل ما رواه الطبري: كان ابن مسعود يقول: إلياس هو إدريس، فقرأ: وإنّ إدريس لمن المرسلين. وقرأ: سلام على إدراسين(18).

 

وذكر ابن قتيبة: أنّ ابن مسعود كان يقرأ: ﴿وتكون الجبال كالصوف المنفوش﴾(19) بدل (العهن المنفوش) لأنّ العهن هو الصوف، وهذا أوضح وآنس للإفهام.

 

هذا.. ومن ثم تعوّد بعض المفسّرين القدامى، إذا أشكل عليهم فهم كلمة غريبة في النّص القرآني، أن يراجعوا قراءة ابن مسعود في ذلك، فلابدّ أنّه أبدلها بكلمة اُخرى مرادفة لها أوضح وأبين للمقصود الأصلي.

 

قال مجاهد: كنّا لا ندري ما الزخرف، حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود: أو يكون لك بيت من ذهب(20).

 

وفسّر الزمخشري اليدين في قوله تعالى: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا﴾ باليمينين، لأنّ ابن مسعود قرأ: فاقطعوا أيمانهما(21).

 

وذكر الغزالي من آداب البيع: إقامة لسان الميزان، فإنّ النقصان والرجحان يظهر بميله، واستشهد بقراءة ابن مسعود: وأقيموا الوزن باللسان ولا تخسروا الميزان، قال: لأن القسط -في القراءة المشهورة- إنّما يقوم بلسان الميزان(22).

 

وفي بعض طبعات إحياء العلوم صحّحوه وفق النصّ المشهور، ففاتهم غرض استشهاد المؤلّف.

 

وهكذا قرأ: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ – صمتا – فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا﴾(23) بدل (صومًا) لأنّ الصوم المنذور كان صوم صمت.

 

وقرأ: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا -أمهلونا- نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾(24) بدل (أنظرونا) لأنّ المقصود هو الإمهال.

 

وقرأ: ﴿إِن كَانَتْ إِلاَّ -زقية- وَاحِدَةً﴾(25) بدل (صيحة واحدة).

قال العلامة الطبرسي: هو من زقى الطير: إذا صاح. وكأنّ ابن مسعود استعمل هنا صياح الديك تنبيهًا على أنّ البعث بما فيه من عظيم القدرة واستثارة الموتى من القبور، سهل على الله تعالى كزُقية زقاها طائر. فهو كقوله تعالى: ﴿مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾(26).

 

(ملحوظة): قد يأخذ البعض من هذا الاختلاف في قراءة النصّ القرآني ذريعة للطعن عليه، كما جاء في كلام المستشرق الألماني العلّامة نولد كه، في كتابه: مذاهب التفسير الإسلامي، الذي وضعه لهذا الغرض.

 

لكنّها محاولة فاشلة بعد أن علمنا أنّ الاختلاف كان مجرّد القراءة خارج النّص الثابت في المصحف. فالنّص القرآني شيء لم يختلف فيه اثنان، وهو المثبت في المصحف الشريف منذ العهد الأوّل الإسلامي حتى العصر الحاضر، ومن ثم لم يمسّوه حتى لإصلاح أخطائه الإملائيّة. تحفّظًا على نصّ الوحي يبقي بلا تحوير.

 

نعم جاءت قضيّة مراعاة جانب التسهيل على الأمة، من بعض السلف، لتجوّز القراءة بأي نحو كانت، ما دامت تؤدّي نفس المعنى الأصلي من غير تحريف فيه. الأمر الذي يكون خارج النّص المثبت قطعيًّا.

 

ومن ثم أجاز ابن مسعود: أن ينطق ذلك الأعجمي بدل طعام الأثيم بطعام الفاجر(27). فاستبدل من النّص الصعب التلفّظ بالنسبة إليه، لفظا أسهل… لكنّه لم يثبته في المصحف كنّص قرآني. ولم يكن ذلك منه تجويز التبديل في نصّ الوحي.. حاشاه!

 

وهكذا كان تجويز عائشة لذلك العراقي: وما يضرّك أيّه قرأت(28). توسعة في مقام القراءة فقط، لا توسعة في ثبت النصّ القرآني الذي هو وحي السماء، في المصحف، ولاشكّ أنّ مصحفها كان ذا ثبت واحد قطعًا.

 

جهة سادسة: ربّما كان ابن مسعود يزيد في لفظ النّص زيادات تفسيريّة كانت أشبه بتعليقات إيضاحيّة أدرجت ضمن النّص الأصليّ.

 

وهذا أيضًا كان مبنيًّا على مذهبه: التوسعة في اللفظ، لغرض الإيضاح، مع التحفّظ على نفس المعنى الأصيل.

وهكذا اعتبر أئمة الفنّ هذه الزيادات في قراءة ابن مسعود تفسيرات، ولم يعتبرونها نصًا قرآنيًا منسوبًا إلى ابن مسعود ليكون اختلاف بين السلف في نصّ الوحي..!

 

نعم كانت هذه التوسعة من ابن مسعود محاباة غير مستحسنة بالنصّ القرآني، ربّما كانت تؤدّي بالنّص الأصلي وتجعله عرضة للتحريف والتغيير، الأمر الذي كان يتنافى تمامًا مع تلك الحيطة والحذر على نصّ القرآن النازل من السماء. وقد تمسّك بعض الأغبياء بذلك وجعله دليلاً على جواز إدخال ما ليس من القرآن في القرآن إذا كان الغرض هو التفسير والإيضاح(29) لكنّه تفريع على أصل باطل.

 

وعلى أي تقدير نسب إلى ابن مسعود زيادات جاءت في قراءته، نذكر منها مايلي، والزيادة هي التي بين معقوفتين:

 

قرأ: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾(30).

 

وهذه الزيادة ترفع إبهامًا كان في وجه الآية: هل كانت بعثة الأنبياء سببًا للإختلاف، أم كان العكس؟ وذيل الآية يعيّن هذا الأخير. وجاءت الزيادة توضّح هذا الجانب أكثر.

 

وقرأ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وهو أب لهم وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ﴾(31) فجاءت الزيادة انسجامًا مع ذيل الآية، وتوضيحًا لسبب ولايته (صلى الله عليه وآله) على المؤمنين.

 

وقرأ: ﴿وَجِئْتُكُم بآيات – والنّص: بِآيَةٍ – مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ لما جئتكم من الآيات وَأَطِيعُونِ فيما أدعوكم إليه﴾(32).

 

وقرأ: ﴿وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ وهو قاعد فَضَحِكَتْ﴾(33).

 

وقرأ: ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا الله _ والنّص: إِلَّا هُوَ _ رَابِعُهُمْ ولا أربعة إلا الله خامسهم وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا الله – والنّص: إِلَّا هُوَ – سَادِسُهُمْ وَلَا أقلّ – والنّص: وَلَا أَدْنَى -مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا الله- والنصّ: إِلَّا هُوَ – مَعَهُمْ إذا نتجوا﴾(34).

 

وقرأ: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً أنثى وَلِيَ نَعْجَةٌ أنثى ﴾(35).

وقرأ: ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ورهطك منهم المخلصين ﴾(36).

 

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود أنّه قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ إنّ عليًا مولى المؤمنين وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾(37).

 

والظاهر: أنّه أراد تفسير الآية، وأنّها كانت على عهده (صلى الله عليه وآله) هكذا تفسّر.

 

وقرأ: ﴿بَلْ عَجِبْت وَيَسْخَرُونَ﴾- بضم التاء- (38) والقراءة المشهورة هي بالفتح.

 

وأنكر ذلك شريح وقال: إنَّ الله لا يعجب إنما يعجب من لا علم له. قال الأعمش: فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي. فقال: إنّ شريحا كان معجبا برأيه، أن عبد الله قرأ (بَلْ عَجِبْتُ) بالضم، وعبد الله أعلم من شريح. وإضافة العجب إلى الله وردّ من إلّكم وقنوطكم. ويكون ذلك على وجهين: عجب ممّا يرضى. ومعناه: الاستحسان والخبر عن تمام الرضا. وعجب ممّا يكره، ومعناه: الإنكار له والذم(39). والإلّ – بكسر الهمزة وتشديد اللام: شدّة اليأس أو رفع الصوت بالبكاء على إثره. وصحّحنا الحديث على نهاية ابن الأثير.

 

وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف يجوز العجب على الله وإنّما هو روعة تعتري الإنسان عند استعظام الشيء والله تعالى لا يجوز عليه الروعة؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يجرّد العجب لمعنى الاستعظام. والثاني: أن يتخيّل العجب ويفرض. وقد جاء في الحديث: ﴿عجب ربّكم من إلّكم وقنوطكم وسرعة إجابته إيّاكم﴾(40).

 

وقد أوردنا هذا البحث هنا كنموذج هو دليل على مبلغ اهتمام المفسّرين واعتناء الأئمّة بقراءات ابن مسعود الرجل العظيم.

 

ومن غريب قراءته النقص أيضًا. قرأ: ﴿الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾(41) بدل ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾.

 

روى البخاري في صحيحه: قال: قدم أصحاب عبد الله إلى الشام، وفيهم علقمة فجاءهم أبو الدرداء وقال: أيّكم يقرأ على قراءة عبد الله؟ قالوا: كلّنا. قال: فأيّكم يحفظ؟ فأشاروا إلى علقمة. قال: كيف سمعته يقرأ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى…﴾؟ قال علقمة: ﴿والذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾ قال أبو الدرداء: أشهد أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدوني على أن أقرأ ﴿وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى﴾ والله لا أتابعهم(42).

 

وأسند الزمخشري هذه القراءة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله)(43).

 

وفي رواية الأعمش عن ابن مسعود: أنه قرأ: (حم سق) بلاعين. وهكذا قرأ ابن عباس أيضًا(44).

 

المصدر:

كتاب التمهيد في علوم القرآن، سماحة الشيخ محمد هادي معرفة

 

1– على ما جاء في نصّ ابن اشتة (الإتقان: ج1/ص64) وأكملنا ما سقط منه على نصّ ابن النديم (الفهرست: ص46) وأرمزنا له بعلامة (ن).

2– الحجر/87.

3– الفهرست: ص46.

4– الإتقان: ج1/ص80.

5– الإتقان: ج1/ص65.

6– تأويل مشكل القرآن: ص48-49-ط2.

7– الدر المنثور: ج6/ص416-417.

8– فتح الباري: ج8/ص571. والدر المنثور: ج6/ص416.

9– فتح الباري: ج8/ص571.

10– نفس المصدر.

11– الدر المنثور: ج6/ص 416?417.

12– الإتقان: ج1/ص65.

13– هو: تطبيق بطن الكفّين إحداهما على الأخرى وجعلها بين الركبتين حالة الركوع.

14– المحلّى: ج3/ص274. وراجع لسان العرب: مادة طبق.

15– التفسير الكبير: ج1/ص213.

16– معجم الادباء لياقوت الحموي: ج4/ص193/رقم: 33 في ترجمة أحمد بن محمد بن يزدادبن رستم ط دار المأمون. وفي طبعة مرجليوث: رقم 24/ج2/ص60. وراجع -أيضًا- النشر في القراءات العشر: ج1/ص21. والإتقان: ج1/ص47.

17– التفسير الكبير: ج1/ص213.

18– الصافات/123 و 130. جامع البيان: ج23/ص96.

19– القارعة/5 تأويل مشكل القرآن: ص24.

20– الإسراء/93 تفسير الطبري: ج15/ص163.

21– المائدة/38. الكشاف: ج1/ص459.

22– الرحمان/9. احياء العلوم: ج2/ص77.

23– مريم/26. تذكرة الحفاظ: ج1/ص340.

24– الحديد/13. الإتقان: ج1/ص47.

25– يس/29 و 53.

26– لقمان/28. مجمع البيان: ج8/ص421.

27– تقدم ذلك في صفحة: 315.

28– راجع صحيح البخاري: ج6/ص228.

29– راجع الزرقاني على الموطأ: ج1/ص255.

30– البقرة/213. الكشاف: ج1/ص255.

31– الأحزاب/6. الكشاف: ج2/ص523.

32– آل عمران/50. الكشاف: ج1/ص365.

33– هود/71. الكشاف: ج2/ص410.

34– المجادلة/7. الكشاف: ج4/ص490.

35– ص/23. الكشاف: ج4/ص85. وتأويل مشكل القرآن: ص29 و 73.

36– الشعراء/214. مجمع البيان: ج7/ص206. وبحارر الأنوار: ج18/ص164.

37– المائدة/67. دار المعارف: ج4/ص155.

38– الصافات/12. الكشاف: ج4/ص38. وتفسير الطبري: ج23/ص29.

39– مجمع البيان: ج8/ص440.

40– الكشاف: ج4/ص37.

41– الليل/3.

42– صحيح البخاري: ج6/ص211 وج5/ص35.

43– الكشاف: ج4/ص761.

44– مجمع البيان: ج9/ص21.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى