آية وتفسير

(قبس 30 )فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ – إعلان الهوية

بسم الله الرحمن الرحيم 

(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)(1)

            [الحجر : 94]

إعلان الهوية

التماهي في الذوبان:

من مظاهر تقصيرنا الذي تحوّل إلى مشكلة تعيق تقدّم العمل الإسلامي الرسالي هو عدم إبراز هويتنا اما ضعفاً أو مجاملة أو مداهنة أو خوفاً على بعض المصالح والامتيازات أو لأي سبب آخر، ونقصد بهويتنا كل الانتماءات التي تشكل عناصر هذه الهوية، فنحن مسلمون ننتمي للإسلام، ونحن من الموالين لأهل البيت (ع)، ونحن نتبع المرجعية الفلانية ونقلدها.

فعلى صعيد الهوية الإسلامية نجد أن بعض المسلمين –في بعض المجتمعات المتمدنة كما يزعمون- قد يترك الصلاة بين زملائه في العمل أو في الجامعة حتى لا يعرف انه مسلم، أو المرأة تضعف عن لبس الحجاب العفيف لأنها لا تستطيع أن تواجه تعليقات الآخرين، أو يجلس شخص على مائدة الشراب أو يسمع الغناء حتى لا يقال عنه انه (معقّد) أو (متخلّف)، أو يجاري الآخرين في لبسه ومظهره الخارجي واندماجه معهم في سلوكهم المنحرف حتى يقـل عنـه أنـه

متمدن متحضر مثلهم.

وعلى صعيد الهوية الشيعية نجد من يترك المشاركة في إحياء الشعائر الحسينية المهذبة المسنونة شرعاً، أو يعرض عن قضية فاطمة الزهراء (ع) وما جرى بعد رسول الله (ص)، أو يخفي شهادته لأمير المؤمنين (ع)  بالولاية، أو السجود على التربة ونحوها.

والذي يقلّد المرجعية المعيّنة لا يصرّح بذلك ويحاول التمويه والابتعاد عن انتسابه إليها ونحوها من الأمثلة على التخلي عن الهوية وما تقتضيه انتماءاته لتلك الهوية من التزامات.

 

الضعف في إبراز الهوية:

إن هذا الضعف عن ابراز الهوية لا يضرّ فقط في دينه وآخرته ويسقطه من عين الآخرين لاتهامه بالنفاق، بل انه يضرّ بكل المشروع الذي ينتمي إليه لأنه يؤدي إلى تمييع الهوية وتضييعها، ولأنه إذا لم يعلن انتماءه ويبيّن نقاط القوة فيه ودواعي تبنّيه له، فكيف سيدعو الآخرين إليه ويقنعهم به؟، وكيف سيتقدم المشروع الرسالي؟ ولو أن السلف الصالح لم يقم بواجبه تجاه هويته ويبيّنوها بوضوح ويدافعوا عنها بالحجج الدامغة لما وصلت إلينا بهذه القوة والثبات والمناعة مضمّخة بدماء الشهداء ومداد العلماء.

 

التعايش مع الآخر لا يعني التنازل عن المبادئ:

فإنّ الوحدة والتقارب والتعايش مع الطوائف الإسلاميـة أو مــع الديانــات

الأخرى، أو مع الشرائح المتنوّعة لا تستلزم التنازل عن المبادئ والمعتقدات التي ثبتت صحتها، فليعمل كلٌ بما ثبت عنده صحته بالحجة والبرهان، وإذا كان غير متثبّت من معتقداته وانتماءاته فيجب عليه إعادة النظر فيها ومراجعتها وطلب الدليل عليها، وليس اخفاؤها والمجاملة فيها.

 

الآية الكريمة تصر على تحمل مسؤولية الانتماء:

لقد كان من أوائل الأوامر التي وجّهها الله تبارك وتعالى إلى رسوله الكريم (ص) في بداية الدعوة الإسلامية (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) (الحجر/94-95) فصدع النبي (ص) بدعوته في مواجهة طواغيت قريش وسدنة الأصنام التي بلغ تعدادها (360) صنماً حوّلوها إلى كيانات لمصالحهم وامتيازاتهم الواسعة، ولم يكن مع النبي (ص) إلاّ أمير المؤمنين (ع) وخديجة بنت خويلد، وأصرّ على تحمل المسؤولية حتى فتح الله تعالى على يديه، ولا نطيل بالشواهد من سيرة أمير المؤمنين (ع) وفاطمة الزهراء (ع) والأئمة الطاهرين (ع).

وعلى هذا النهج سار الصلحاء من اتباع أهل البيت (ع)، فيقف أبو ذر الغفاري (رضوان الله تعالى عليه) في عقر ديار معاوية ويقول: سمعت حبيبي رسول الله (ص) باذنيّ هاتين وإلاّ صُمَّتا يقول، ثم يذكر فضائل علي بن أبي طالب (ع)، وانظر إلى موقف الصحابة الاثني عشر الذين احاطوا بمنبر الأول حينما تقمص الخلافة بعد رسول الله (ص) وادلوا بشهاداتهم وحججهم وقد ذكرها الطبرسي في كتاب الاحتجاج.

لنتحدث عمّا يجب فعله لا ما فعلوه بنا:

روينا لكم في حديث سابق اننا في موسم الحج عام 1424 وجّهنا إلى أن نرفع أصواتنا بشكل جماعي اثناء الطواف حول الكعبة بدعاء الفرج (اللهم كن لوليك الحجة ابن الحسن…….) ليلتفت المسلمون القادمون من حوالي (180) دولة في العالم إلى إمامهم الحق ويسألوا عنه ويتعرفوا عليه ويهتدوا إلى نوره، وكنّا على ثقة بأنه سيتجاوب معنا الموالون، وهذا ما حصل وكان له وقع واثر ولم يستطع المناوؤن منعه واستمرت هذه السُنّة إلى اليوم ونسأل الله تعالى أن تبقى وتستمر وتتسع حتى يأذن الله لوليه بالظهور المبارك.

إننا كثيراً ما نتحدث عن مؤامرات الأعداء واستهدافنا وانهم يفعلون كذا وكذا، ولا نتحدث إلا القليل عمّا يجب أن نفعله نحن في مواجهتهم والقيام بمسؤولياتنا، ومنها هذا التكليف بالاصحار والاعلان عن عناصر الهوية.

ويجب الالتفات إلى أن يكون ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة كما أمر الله تبارك وتعالى، وأوصى نبيّه الكليم وأخاه هارون وهما يتوجهان إلى فرعون لدعوته إلى التوحيد (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه 43-44).

 

([1] ) من حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من طلبة الجامعة المستنصرية يوم الثلاثاء 15/ذ.ق/1433 المصادف 2/10/2012 وقد أنشد أحدهم شعراً للمرجعية فتحدث سماحته بهذه المناسبة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى