آية وتفسير

(قبس 14 ) وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْض)-المستضعفون وخلافة الأرض

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْض)(1)

                                                     [القصص : 5]

المستضعفون وخلافة الأرض

 

أنتم المستضعفون بعدي:

لما عقد المنقلبون على الاعقاب عزمهم على نبذ كتاب الله تعالى وراء ظهورهم ومخالفة وصية رسول الله (صلى الله عليه واله) في الخليفة من بعده وإقصاء أمير المؤمنين (عليه السلام) عن مقامه، وواجهوا النبي (صلى الله عليه واله) بذلك الكلام القاسي الذي فيه إعلان الحرب على الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه واله) في رزية يوم الخميس عندما أراد أن يؤكد الوصية ويكتب لهم كتاباً لن يضلّوا بعده أبداً، وقال قائلهم (إن الرجل ليهجُر)، جمع النبي (صلى الله عليه واله) أهل بيته خاصة ونظر اليهم وبكى وقال لهم (أنتم المستضعفون بعدي)([2]).

 

الأحداث المحزنة:

وظاهر الحديث وبقرينة الظروف التـي صـدر فيهـا أنـه إخبـار بأمـرٍ محـزن

ومؤلم بأن زعماء الإنقلاب سيظلمونهم ويعتدون عليهم بألوان الإيذاء، ولا يتورعون عن قتلهم وفعل اي شيء يتطلّبه مشروعهم، وفي الحديث إشارة إلى أن فعل القوم بأهل بيت النبي (صلى الله عليه واله) سيشابه فعل فرعون ببني إسرائيل حينما استضعفهم كما في قوله تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص/4) وهكذا فعل القوم بآل بيت رسول الله (صلى الله عليه واله) فقد كان شعارهم الذي صرّحوا به في يوم عاشوراء بعد أن كان مخفياً (لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية).

روى في تفسير القمي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (لقي المنهال بن عمرو علي بن الحسين (عليهما السلام) فقال له: كيف أصبحت يابن رسول الله، فقال: ويحك أما آن لك أن تعلم كيف أصبحت، أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا)([3]).

واستشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) بقول هارون أخي موسى (عليهما السلام) (إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي) (الأعراف/150) عندما أجبروه على بيعة أبي بكر فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا إذاً والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك، قال: إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله) فالتفت إلى قبر النبي (صلى الله عليه واله) وخاطبه بقول هارون لأخيه موسى في الآية الشريفة([4]).

 

 

الأمل بوراثة المستضعفين:

ولما كانت الآيات القرانية لا تختص بزمان دون زمان وإنما تعالج حالات وظواهر وتبيّن سنناً قابلة للتكرار في كل زمان إذا توفرت أسبابها وظروفها، فإن الآية التي تليها وهي قوله تعالى (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ) (القصص/5-6) وتعطي للحديث معنىً آخر ملؤه التفاؤل والأمل  وفيه وعد بالنصر والتمكين في الأرض ووراثتها ومن عليها واستعادة الحق لأهله وجعل الأئمة والقادة منهم لأن الإرادة الإلهية تعلقت بذلك (ونريد) فلا تتخلف (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ)(الروم6 )، فوصف النبي (صلى الله عليه واله) أهل بيته بالمستضعفين فيه إشارة الى انطباق الآية عليهم (عليهم السلام) ولعلهم مقصودون أكثر من موسى وهارون (عليهما السلام) بالوعد الإلهي لورود كلمة (منهم) فيها وليس (منه) أو (منهما) فيما لو كان المقصود موسى (عليه السلام) أو هو وأخاه هارون، بل أن لفظ الحديث يفيد حصر الوصف بهم (عليهم السلام) كما لا يخفى على المتأمل في الحديث، ويجعلهم أيضاً  المقصودين بالآية الشريفة.

هذه سنة الهية ثابتة، في عباده المستضعفين واعدائه المستكبرين قال تعالى (وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُواْ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ) (الأعراف137).

وكان الأئمة (عليهم السلام) يصرِّحون بهذا المعنى في عدة روايات ليطمئنوا شيعتهم ويزرعوا الأمل فيهم ويدفعوهم الى العمل المثمر وليردعوا أعداءهم عن الظلم، ففي معاني الأخبار للصدوق بسنده عن المفضّل قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول (إن رسول الله (صلى الله عليه واله) نظر إلى علي والحسن والحسين (عليهم السلام) فبكى، وقال: أنتم المستضعفون بعدي) قال المفضّل فقلت له: وما معنى ذلك يا ابن رسول الله قال معناه: أنكم الأئمة بعدي إن الله عز وجل يقول (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ) فهذه الآية جارية فينا إلى يوم القيامة) ([5]).

وفي مجمع البيان.. صحت الرواية عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال (والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها –أي امتناعها- عطف الضروس([6]) على ولدها، ثم تلى الآية.

وفي كتاب الغيبة للطوسي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في تفسير الآية قال (هم آل محمد يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزَّهم ويذل عدوهم)([7]).

والآية جارية بعد الأئمة (عليهم السلام) في شيعتهم، روي عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قوله (من أراد أن يسأل عن أمرنا وأمر القوم- اي خصومهم – فإنا وأشياعَنا يوم خلق الله السماوات والأرض على سنة موسى وأشياعه، وإن عدونا وأشياعه يــوم خلـق الله السمـاوات والأرض علـى سنـة فرعـون وأشياعـه فنزلـت فينـا هـذه

الآيات)([8]).

وقال سيد العابدين علي بن الحسين (عليهما السلام): (والذي بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً، ان الأبرار منا أهل البيت وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته، وان عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه) ([9]).

فالخصم قد تكون له جولة يغلب فيها وتكون بيده السلطة ويحكم قبضته على أولياء الله تعالى، ويستضعفهم وقد تطول مدة فرعنته ولكن الدولة والنصر والغلبة يكون في النهاية لأهل الحق الذين استضعفوا ويذهب ما سواه جفاءاً كالزبد.

 

لماذا سمّوا بالمستضعفين؟

وإنما سموا مستضعفين لأن أعدائهم يتوهمون فيهم الضعف بعد أن يسلبوهم كل أسباب القوة الظاهرية من السلطة والمال والنفوذ ويحاصروهم ويطوقوهم فيستكبرون عليهم ويظلمونهم، وهم ليسوا ضعفاء في ذاتهم بل انهم يملكون اسباب القوة، لكن لهم دين وورع وأخلاق وخوف الله تعالى يجعلهم يقدمون المصالح العليا للدين والمجتمع على المصالح الشخصية، ويمنعهم عن اتباع أساليب المكر والخداع لتحقيق مآربهم، عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال (ولكن الله سبحانه جعل رسله أولي قوة في عزائمهم، وضعفةً فيما ترى الأعين من

حالاتهم، مع قناعةٍ تملأ القلوب والعيون غنى، وخصاصة تملأ الأبصار والأسماع أذىً)([10]).

وعنه (عليه السلام) قال في الثناء على أحد أصحابه المخلصين (كان لي فيما مضى أخ في الله وكان ضعيفاً مستضعفاً، فإن جاء الجدّ فهو ليث غاب، وصلّ واد)([11]).

 

مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ:

أيها الأحبة المفجوعون بمصيبة بضعة النبي (صلى الله عليه واله) وروحه التي بين جنبيه:

لقد أرادت السيدة الزهراء (عليها السلام) بمواقفها الرسالية أن تهدي الامة الى المنهج الذي يوصلهم الى نيل هذا المنّ الإلهي ليتخذ منهم قادة العالم ويمكنهم في الأرض ويجعلهم الوارثين باتباعهم علياً والأئمة من بعده والسير على هداهم، قالت (سلام الله عليها) في  بعض كلماتها (أما والله لو تركوا الحق على أهله واتبعوا عترة نبيّه لما اختلف في الله اثنان ولورثها سلف عن سلف وخلف بعد خلف حتى يقوم قائمنا التاسع من ولد الحسين (عليه السلام)، ولكن قدموا من أخره الله، وأخروا من قدمه الله، حتى إذا الحدوا المبعوث وأودعوه الجدث المجدوث إختاروا بشهوتهم وعملوا بآرائهم، تباً لهم أولم يسمعوا الله يقول (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )(القصص68) بل سمعوا ولكنهم كما قال الله سبحانه (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ )(الحج46) هيهات بسطوا في الدنيا آمالهم، ونسوا آجالهم فتعساً

لهم وأضل أعمالهم، أعوذ بك ياربّ من الحور بعد الكور)([12]).

 

البركة في التوحّد خلف القيادة الصالحة:

فالصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) تدلّ الأمّة على ان وراثتهم الارض وتمكينهم فيها حتى تكون يدهم العليا وغيرها من البركات تتحقق بوحدتهم خلف قيادتهم الحقة وطاعتهم لها والتجرد عن الأهواء والتعصبات والانفعالات والتحزّبات والانانيات، وبذلك يحبطون خطط المستكبرين في استضعاف الناس من خلال تمزيق وحدتهم  وجعلهم جماعات وأحزاباً ويضرب بعضهم بعضاً، قال تعالى (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً)(القصص4) اي فرقاً مختلفة فيفقدون قوتهم في صراعاتهم الداخلية ويسهل استضعافهم لانهم لم يقيموا الدين في حياتهم وتخاذلوا على تطبيقه وتركوا فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً)(الروم32) (أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ)(الأنعام65) .

 

حركة الأمة نحو وراثة الأرض:

وتبين السيدة الزهراء (عليها السلام)، ان حركة الامة نحـو وراثـة الارض والتمكيــن فيهـا

لا بد ان يقف على راسها القائد الجامع للشروط قالت (عليها السلام) في خطبتها على نساء المهاجرين والأنصار وهي تذكر بركات اتباعهم أمير المؤمنين (عليه السلام) (ولأوردهم منهلاً  -وهو محل ورود الماء- نميراً –الماء العذب السائغ النامي للجسد- صافياً روياً -كثير- فضفاضاً -واسعاً- تطفح ضفتاه، ولا يترنّق –لا يتكدر- جانباه، ولأصدرهم بطاناً –أي أرجعهم مرتوين مملوئين- ونصح لهم سراً وإعلاناً (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) (الأعراف96) (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ )(الزمر51) )([13]).

 

للتمكين في الأرض درجات:

ولا بد ان نعلم ان التمكين في الارض ووراثتها له درجات متفاوتة لا يقتصر على تسلم السلطة والحكم فهذه وسيلة لا غاية وان التمكين الحقيقي هو ظهور وانتشار مشروعهم الالهي واقتناع الناس به فهذا هو المهم لان غرض الرسالات السماوية اصلاح الناس وهدايتهم وارشادهم الى السعادة والفلاح قال تعالى (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)(النور55).

في تفسير العياشي عن أبي الصباح الكناني قال: (نظر أبو جعفر الى أبي عبد الله (عليهما السلام) فقال: هذا والله من الذين قال الله (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) فالإمام الصادق (عليه السلام) كان من اهل هذه الاية ولم يكن جزءا من السلطة لكنه عليه السلام استطاع بحكمته وتسديد الله تعالى

له بسط مشروعه المبارك.

 

التركيز نحو السنن الإلهية بشروطها:

هذا ولكن علينا أن نأخذ قضية تمكين المستضعفين من أهل الحق كسائر القضايا بحدودها وشروطها ونضعها في موضعها الصحيح من منظومة المعارف والقوانين الإسلامية والسنن الإلهية لأنها من مقتضيات العدل والرحمة الآلهية، أما مجرد تعرضهم للإستضعاف وألوان العذاب لا يجعل صاحبها موعوداً بالنصر والتمكين.

فقد وصُفِت مجاميع اخرى بالاستضعاف لكنها أُنذرت وحُذِّرت لتقصيرهم وتكاسلهم وظلمهم أنفسهم ولانهم رضوا بحياة الخنوع والذل والاستضعاف والاستكانة، وربما داهنوا اهل الباطل ومضوا معه، قال تعالى (ِإنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً)(النساء/97).

وَوُبِّخَ مستضعفون آخرون لأنهم كانوا قاصرين ولم يبحثوا عن طريق المعرفة بالله تعالى والفقه في الدين والقيادة الحقة، قال تعالى (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء/98-99).

 

خصائص المستضعفين:

أما الذين وُعدوا بالنصر والتمكين ووراثة الأرض فلهم خصائص وخصال توفرت فيهم لأن الظلم والعذاب والأضطهاد الذي تعرضوا له لم يدفعهم الى التنازل عن مبادئهم وأخلاقهم والتزامهم بالحق، بل حافظوا على وجودهم وعقيدتهم واخلاقهم والالتزام باتباع قيادتهم وما زادهم الاستضعاف الا هدى وصلاحاً ونضجاً.

وقد وردت أوصاف الذين يُمَكّنون في الأرض في عدة آيات منها قوله تعالى  (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج/41)، بعد قوله تعالى في وعدهم بالنصر (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج/39).

فتمكينهم في الأرض تكون له بركات وآثار تكشف عن صدق نياتهم وإخلاصهم في أهدافهم وثباتهم على الاستقامة التي أمرهم الله تعالى بها وعدم انخداعهم بالدنيا البرّاقة التي تتزيّن لهم إذا مُكّن لهم في الأرض وهذه الخصائص هي:

  • 1- (أَقَامُوا الصَّلاةَ) فهم لا يكتفون بأداء الصلوات المفروضة عليهم كتكليف شخصي، وإنما يبذلون جهدهم لحث الناس جميعاً على الالتزام بها والمواظبة عليها وجعل الصلاة وجوداً اجتماعياً مؤثراً في حياة الناس ورادعاً لهم عن الفحشاء والمنكر ويشعر الجميع بمسؤوليتهم عن إقامته والمحافظة عليه، وأوضح مصداق لهذا الوجود صلاة الجمعة التي لا تؤدّى إلا جماعة وبحضور امة كبيرة من الناس مما يجعل لها كياناً مؤثراً في حياتهم، وهذا ما جرّبه المجتمع العراقي عندما أقيمت فيه صلاة الجمعة المباركة.
  • 2- (وَآتَوُا الزَّكَاةَ) بأن أخرجوا ما في ذممهم من حقوق شرعية وأقنعوا الآخرين بفعل ذلك وحثّوهم عليه وساعدوهم في إيصال هذه الأموال إلى مستحقّيها وانشئوا بها المشاريع الاقتصادية التي تؤدي إلى رفاه الناس وتوفير فرص العمل المناسبة والحياة الكريمة لهم.
  • 3- (وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) فلم يتركوا أهل المنكر يفعلون ما يشاؤون بل وعظوهم وزجروهم واتخذوا الإجراءات الكفيلة بردعهم حتّى لو اقتضى الأمر معاقبتهم، ولم يجاملوا أو يداهنوا كما يفعل الكثير من المتصدين اليوم تحت عناوين مخادعة كالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وفصل الدين عن الدولة والحداثة والعصرنة والتقدم ونحوها من الخدع والأباطيل.

وأمروا بالمعروف وهو كل أمر مستحسن شرعاً وعقلاً وأقرّهُ العرف، ونشروه بين الناس وعرّفوهم به وأيقظوهم من غفلتهم وأرشدوهم إلى ما يصلح دنياهم وآخرتهم وعلموهم أحكام الدين وفضائل أهل البيت (عليهم السلام) ومناقبهم وسيرتهم العطرة، واقنعوهم باتباع القيادة الحقّة.

هؤلاء هم من ينصرهم الله تعالى ويعزّهم ويؤيدهم ويمكن لهم في الأرض.

 

 

كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ:

إن كثيراً ممن مكنهم الله تعالى ليبتليهم وينظر فـي سيرتهـم تنكّـروا لتــلك

الشروط والصفات المطلوبة فانحرفوا وأفسدوا، فأوعدهم الله بعذابه (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:22-23).

كالذي نشهده اليوم من تخلّي الكثيرين ممن وصل إلى السلطة عن أهدافهم وشعاراتهم والخصائص التي أشرنا إليها، حتّى آل الأمر إلى هذا الواقع التعيس الذي يعاني منه الكثيرون،  وهذا كفر عظيم بالنعمة.

لكن بوادر النهضة والانبعاث تفجرّت من جديد هذه الايام وكانت الهجمة الوحشية لخوارج العصر ومن يقف وراءهم الضارة النافعة التي وحّدت الامة وابرزت مكامن قوتها فتحققت الانتصارات التي اذهلت القريب والبعيد.

ايها الاحبّة:

علينا ان نعترف بالعجز عن شكر الله تعالى  على التوفيق لإقامة الشعائر الفاطمية وتشييع السيدة الزهراء (عليها السلام) للمرة العاشرة وهذا لا ينال الى بنظرة كريمة منها (سلام الله عليها) اذ لم تأذن لاي احد في تشييعها الا لبضعة افراد من الموالين المخلصين ونأمل ان تكون هذه النهضة خطوة حقيقية على طريق اقامة دولة الحق والعدل (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)(الإسراء81).

 

 

([1] ) الخطاب الفاطمي السنوي العاشر الذي القاه سماحة المرجع اليعقوبي دام ظله على جموع المعزّين بذكرى استشهاد الصديقة الزهراء عليها السلام يوم 3/ج2/1436 المصادف 24/3/2015.

([2] ) تفصيل الواقعة في بحار الأنوار: 22/469 عن كتاب (إعلام الورى بأعلام الهدى: 140-143) و (الإرشاد:96-100) وأورد الحديث الشيخ الصدوق في عيون أخبار الرضا (): 2/72 باب31 ح303.

([3] ) تفسير القمي: 2/110.

([4] ) الدرر السنية: الفصل الثاني عشر.

([5]) معاني الأخبار: 79 باب31 ح1.

([6] ) وهي الناقة سيئة الخلق تعض حالبها فإذا كانت كذلك حامت عن ولدها، وقيل الضروس الناقة يموت ولدها أو يذبح فيحشى جلده فتدنو منه وتعطف عليه.

([7] ) نور الثقلين: 4/110.

([8] ) بحار الانوار: 24/170 ح8

([9]) مجمع البيان: 4/375.

([10] ) نهج البلاغة، الخطبة  192.

([11] ) نهج البلاغة، الحكمة 289.

([12] ) موسوعة المصطفى والعترة للشاكري: 4/363 عن عوالم المعارف: 11/228، الجدث: القبر، والمجدوث: المحفور، والحور بعد الكور أي النقصان بعد الزيادة.

([13] ) المصدر السابق : 4/324.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى