غير مصنف

منهج زيد في جمع القران الكريم

قام زيد بتنفيذ الفكرة، فجمع القرآن من العسب واللخاف والأدم والقراطيس، وكانت متفرّقة على أيدي الصحابة أو في صدورهم، وعاونه على ذلك جماعة.

 

وأوّل عمل قام به: أن وجّه نداء عامًا إلى ملأ الناس: (من كان تلقّى من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شيئًا من القرآن فليأت به).

 

وألّف لجنة من خمسة وعشرين عضوًا – كما جاء في رواية اليعقوبي(1) -وكان عمر يشرف عليهم بنفسه.

 

وكان اجتماعهم على باب المسجد يوميًّا، والناس يأتونهم بآي القرآن وسوره، كلّ حسب ماعنده من القرآن.

 

وكانوا لا يقبلون من أحد شيئًا حتى يأتي بشاهدين يشهدان بصحّة ماعنده من قرآن.

 

سوى خزيمة بن ثابت، أتى بالآيتين آخر سورة براءة، فقبلوها منه من غير استشهاد، لأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) اعتبر شهادته وحده شهادتين(2).

 

قال زيد: ووجدت آخر سورة براءة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجده مع أحد غيره(3) وسنتكلّم عمّا جاء بين المعقوفتين.

 

ومن غريب الأمر: أنّ عمر جاء بآية الرجم وزعمها من القرآن: (الشيخ والشيخة إذا زنيا فاجموهما البتة نكالا من الله) لكنّه واجه بالرفض، ولم تقبل منه، لأنّه لم يستطيع أن يقيم على ذلك شاهدين(4) وبقي أثر ذلك في نفس عمر، فكان يقول -أيام خلافته-: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي- يعني آية الرجم(5).

 

ثمّ أنّ زيدًا لم ينظّم سور القرآن ولم يرتّبهنّ كمصحف، وإنّما جمع القرآن في صحف، أي أودع الآيات والسور في صحف وجعلها في ملفّ، فكان جمعًا عن التفرقة والضياع، ومن ثم لم يسمّ جمعه مصحفًا.

 

قال المحاسبي: كان القرآن مفرّقًا في الرقاع والأكتاف والعسب وإنّما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعًا، وكان ذلك بمنزلة أوراق فيها القرآن منتشرًا، فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء(6).

 

وقال ابن حجر: والفرق بين الصحف (التي جاءت في رواية جمع زيد) والمصحف: أنّ الصحف هي الأوراق المجرّدة التي جمع فيها القرآن في عهد أبي بكر، وكانت سورًا مفرّقة، كلّ سورة مرتّبة بآياتها على حدة، لكن لم يرتّب بعضها إثر بعض، فلمّا نسخت ورتّب بعضها إثر بعض صارت مصحفًا(7).

 

وقال أحمد أمين: وفي عهد أبي بكر أمر بجمع القرآن، لكن لا في مصحف واحد، بل جمعت الصحف المختلفة التي فيها آيات القرآن وسوره، وأُودعت الصحف الكبيرة التي فيها القرآن عند أبي بكر(8).

وقال الزرقاني: صحف أبي بكر كانت مرتّبة الآيات دون السور(9).

 

وهي الصحف اُودعت عند أبي بكر، فكانت عنده مدة حياته، ثم صارت عند عمر، وبعده كانت عند ابنته حفصة، وفي أيام توحيد المصاحف استعارها عثمان منها ليقابل بها النسخ، ثم ردّها إليها، فلمّا توفيت أخذها مروان -يوم كان واليًا على المدينة من قبل معاوية- من ورثتها وأمر بها فشقت(10).

 

جاء في نصّ البخاري: ووجدت آخر سورة براءة مع أبي خزيمة… ومن ثم يتساءل البعض: هو من أبو خزيمة؟

قال القسطلاني: هو: ابن أوس بن يزيد بن حزام، المشهور بكنيته من غير أن يعرف اسمه(11).

واحتمل ابن حجر: أنّه الحرث بن خزيمة، كما جاء في رواية أبي داود(12).

 

والصحيح أنّه من زيادة الراوي أو الناسخ خطأ، وإنّما هو خزيمة من غير إضافة الأب إليه. بدليل أنّ زيدًا قبل شهادته مكان شهادتين. وليس في الصحابة من يتّسم بهذه السمة الخاصّة سواه(13) وهكذا جزم الإمام بدر الدين الزركشي أنّه خزيمة الذي جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) شهادته بشهادة رجلين(14) ومن ثم أدرجه في النّص هكذا بلا إضافة الأب(15).

 

أو يقال: إنّ أبا خزيمة هو خزيمة بن ثابت، كان يقال له: أبو خزيمة أيضًا، كما جاء في نصّ ابن اشتة: أبو خزيمة بن ثابت(16).

وفي سائر الروايات – غير رواية البخاري – خزيمة بن ثابت، بلا إضافة الأب(17)، ومن ثم رجّحنا خطأ النسخة.

 

وسؤال آخر: ماذا كان يعني بالشاهدين في جعلهما شرط قبول النّص القرآني، كما جاء في نصّ ابن داود بإسناد معتبر، وتلقّته أئمّة الفنّ بالقبول(18).

 

قال ابن حجر: وكأنّ المراد بالشاهدين: الحفظ والكتابة(19).

 

وقال السخاوي: شاهدان يشهدان على أنّ ذلك المكتوب كُتب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو المراد: أنّهما يشهدان بصحّة قراءتها، وأنّها من الوجوه التي نزل بها القرآن.

 

قال أبو شامة: وكأن الغرض من ذلك أن لا يكتب ألاّ من عين ما كتب بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لا من مجرد الحفظ.

 

قال جلال الدين: أو المراد: أنّهما يشهدان على أنّ ذلك ممّا عرض على النبيّ (صلى الله عليه وآله) عام وفاته، وكانت هي القراءة الأخيرة التي اتفق عليها الصحابة ويقرؤها الناس اليوم(20).

 

قلت: المراد: أنّ شاهدين عدلين – أحدهما الذي أتى بالآية وعدل آخر- يشهدان بسماعهما قرآنًا من النبيّ (صلى الله عليه وآله) بدليل قبول شهادة خزيمة بن ثابت الذي جاء بآخر سورة براءة، مكان شهادة الرجلين. وهكذا جاء في نصّ ابن اشتة، أخرجه في المصاحف عن الليث بن سعد، قال: وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلاّ بشاهديّ عدل وأنّ آخر سورة براءة لم يجدها إلاّ مع أبي خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، فقال: اكتبوها، فإنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) جعل شهادته بشهادة رجلين فكتب. وإن عمر أتى بآية الرجم فلك يكتبها، لأنّه كان وحده(21).

 

المصدر:

كتاب التمهيد في علوم القرآن، سماحة الشيخ محمد هادي معرفة

 

1– تاريخ اليعقوبي: ج2/ص113.

2– راجع اسد الغابة: ج2/ص114. ومصاحف السجستاني: ص 6-9.

3– صحيح البخاري: ج6/ص225.

4– الإتقان: ج1/ص58.

5– تفسير ابن كثير: ج3/ص261. والبرهان: ج2/ص35. والإتقان: ج2/ص26.

6– الإتقان: ج1/ص59.

7– فتح الباري: ج9/ص16.

8– فجر الإسلام: ص195.

9– مناهل العرفان: ج1/ص254.

10– إرشاد الساري: ج7/ص449.

11– فتح الباري: ج7/ص447.

12– فتح الباري: ج9/ص12.

13– راجع الطبقات: ج4/ص90.

14– البرهان: ج1/ص234.

15– البرهان: ج1/ص239.

16– الإتقان: ج1/ص58.

17– راجع الدر المنثور: ج3/ص296.

18– راجع الإتقان: ج1/ص58.

19– فتح الباري: ج9/ص12.

20– راجع الإتقان: ج1/ص50 و 58.

21– الإتقان: ج1/ص58

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى