غير مصنف

جمع زيد بن ثابت

كان في ذاك الرفض القاسي لمصحف علي (عليه السلام) يستدعي التفكير في القيام بمهمّة جمع القرآن مهما كلّف الأمر، بعد أن أحسّ الناس بضرورة جمع القرآن في مكان، ولا سيّما كانت وصيّة نبيهم (صلى الله عليه وآله) بجمعه لئلا يضيع، كما ضيّعت اليهود توراتهم(1).

 

هذا والقرآن هو المرجع الأوّل للتشريع الإسلامي، والأساس الركين لبناية صرح الحياة الاجتماعية في كافّة شؤونها المختلفة آنذاك، ولا يصحّ أن يبقى مفرقًا على العسب واللخاف أوفي صدور الرجال، ولاسيّما وقد استحر القتل بكثير من حامليه، ويوشك أن يذهب القرآن بذهاب حامليه، فقد قتل منهم سبعون في واقعة اليمامة، وفي رواية: أربعمائة(2).

 

وهذه الفكرة أبداها عمر بن الخطاب، واقترح على أبي بكر – وهو وليّ المسلمين يوم ذاك – أن ينتدب لذلك من تتوفر فيه شرائط القيام بهذه المهمّة الخطيرة، فوقع اختيارهم على زيد بن ثابت، وهو شاب حدث فيه مرونة حداثة السنّ، وله سابقة كتابة الوحي أيضًا. فقد ملك الجدارة الذاتيّة من غير أن يخشى منه على جوانب الخلافة الفتيّة في شيء، كما كان يخشى من غيره من كبار الصحابة، وفيهم شيء من المناعة والجموح وعدم الانقياد التام لميول السلطة واتجاهاتها آنذاك.

 

قال زيد: “أرسل إليّ أبو بكر بعد مقتل أهل اليمامة، وعمر جالس عنده”. قال: “إنّ هذا – وأشار إلى عمر ? أتاني” وقال: “إنّ القتل قد استحر يوم اليمامة بقرّاء القرآن، وأخاف أن يستحربهم القتل في سائر المواطن فيذهب كثير من القرآن”، وأشار عليّ بجمع القرآن. فقلت لعمر: “كيف نفعل ما لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟” فقال: “هو والله خير”. فلم يزل يراجعني عمر حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت الذي رأى عمر!

 

قال زيد: قال لي أبو بكر: “إنّك شابّ عاقل لا نتّهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتتبّع القرآن واجمعه”.

قال زيد: “فوالله لو كلّفوني نقل جبل من مكانه لم يكن أثقل عليّ ممّا كلّفوني به”، قلت: “كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟” فلم يزل أبو بكر وعمر يلحّان عليّ حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر.

 

قال زيد: “فقمت أتتبّع القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال…”(3)

 

المصدر:

كتاب التمهيد في علوم القرآن، سماحة الشيخ محمد هادي معرفة

1– تفسير القمي: ص745.

2– فتح الباري: ج7/ص447. وفي تفسير الطبري: ج3/ص296. قتل من المهاجرين والأنصار من قصبة المدينة يومئذ ثلثمائة وستون ومن المهاجرين من غير أهل المدينة ثلثمائة ومن التابعين ثلثمائة، وفي كتاب أبي بكر إلى خالد: ص300: دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجفّف بعد.

3– صحيح البخاري: ج6/ص225. ومصاحف السجستاني: ص6، والكامل في التاريخ: ج3/ص56 وج2/ص247. والبرهان: ج1/ص233.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى